مما راق لي قرائته اليوم
قصة خيالية بقلم امرأة لا تنحني
منقولة حرفيا
v
v
v
v
السّلام عليكم ورحمة الله
في يومٍ مشؤومٍ وأنا نازلةٌ من منزلي الكائن بالطبقِ الرابع كرُف الحمام نازلةً على قدميَّ التي أدماهما درج السلم بحيث لا يوجد مصعد وبجيبي خمس دراهم ثمن تذكرة الباص ذهابا وإيابا.. كنت متوجهةً إلى الكلية وفي أسفل الدرج وجدت إبن الجيران ماداً يده كأنه يطلب صدقةً، فما علي إلاّ أن أعطيتُه ما أملك من مالٍ فأخدها دون أن يُعيرني أي إهتمامٍ بلا شكرٍ.
أكملت المسير إلى الكلية ودخلت لقاعة الدرس، وجدت الدكتور يحثنا على ترك معتقداتنا الدينية جانبا إن أردنا الحصول على النقطة الكاملة في مادته، عارضتُه فيما قال وحاولت إثبات وجهة نظري ونسيت أني بفعلتي
هاته قد تعديت الخطوط الحمراء ومسست بهيبة الدولة، ولقد دفعت الثمن غاليا بسبب بفعلتي..
فقد أنزلني من أعلى المدرج إلى السفح وأعطاني المايكرو وطلب مني مناقشة أطروحة صعبة لواحد من أهم الباحثين السوسيولوجيين أمام المئات من الأنفس.. وتمنيتُ لو كنتُ أملك عصى موسى أو كنتُ أخاه هارون ولكن لقد انتهى عصرُ المعجزات.. أمضيت ساعة كاملة وأنا أقول كلام كله سفسطة، أثنى علي الدكتور كثيرا وتنبأ لي بمستقبل باهر كسوفسطائية.
عندما خرجت من القاعة وجدت ما يقارب 20 مكالمة من زوجي، اتصلت به وتحدثنا بالمكسيكية هاهاها.. أخبرني بأن والده ووالدته وأخته الكبرى وأطفالها الستة موجودين في البيت، قفزت في الطاكسي وطلبت منه بأن ينطلق بي بأسرع ما يمكن إلى الصيدلية، اشتريت منها ربع كيلو قطن معقم، 30 حبة ضد ضغط الدم المرتفع، 20 قرص مسكن لآلام الصداع وأربع حقن ضد شلل الأطفال..
وبما أني لا أملك فلسا واحداً طلبتُ من الصيدلاني أن يُسجِّل هذه الأدوية بإسمي ويُقرضني عشر دراهم ثمن الطاكسي وقد فعل ذلك وليس بطيب خاطرٍ إذ لاحظتُ قسمات وجهه كأنه يشم رائحة كريهة.
وصلت للبيت أخذتني حماتي الحنونة بين ذراعيها، مبدية عكس ما تُضمره، مطلقة في أذني نعيق منذر: لو سمعتُ من إبني تذمرا وشكوى منكِ سأجعلكِ أنتِ مَن تختارين له الزوجة الثانية..
ثم استدارت وانتبهتُ أنها تلبس بذلة شارلوك هولمز، وتقرب عدسات مكبرة من عيونها وتحقق معي وتلقي الإتهامات جزافا.. شكوكي في حماتي تتعمق يوماً بعد يوم، أكاد أجزم أن لها صلات خفية بكائنات مجهولة جاؤوا من كواكب مجاورة... أصبحتُ كالمستجيرة من الرمضاء بالنار في صبري، باذلة محاولات طروادية كي لا أهرب نافذةً بجلدي..
وما هي إلا لحظات... حتى دخل علينا حماي سألني بصوت جوهري دهاليزي كاشفاً عن صفين من الأسنان البلاتينية، سألني عن أحوال أخوه في الرضاعة (القدافي)، فطمأنته أنه بخير وفي أمان......
حماي يعتبر نفسه مفكر استراتيجي ومحلل سياسي لا يشق له غبار وأحياناً مصلح اجتماعي، لا أدري لما يراودني شعور دائم بأنه واحد من ملوك بيزنطا أو شيخ من شيوخ الإنكا يظن أن القدافي ملك كباقي الملوك لا يجوز تغييره، يظن أنه يملك عصا موسى وأنه باستطاعته إصلاح أحوال البلاد والعباد لو أتيحت له الفرصة للحكم لساعة واحدة..
ومع آرائه التي لا أرَى فيها أي إلزام فكري يجعلني أنحني لها، أحترم وجهة نظره ولا أخالفه الرأي كي لا يرميني بالعته والجنون.
كنت منهمكة في التفكير في ما كان يقوله حماي ولم أنتبه للمرأة النازية "أخت زوجي" حيث أصدرت صوتاً مزعجا خرج منها تعبيراً عن امتعاضها لأن غرفة نومي التي تحتلها هي وأطفالها الستة لم تكن مرتبة كفاية..
لا أعرف كيف أصف شعور القطة المبللة عندما تكون الأجواء رعدية! لكنني عرفت تلك المشاعر.
وبشجاعة نادرة حقا، قلت بجبروت غير مخيف: أنا تركت الغرفة مرتبة يا أم الصعاليك، فتداركتُ الموقف فقلت بحياء أشد حياء من العذراء في خدرها أين الأطفال اشتقت لهم..
يا إلهي تذكرت الصعاليك لعلهم جعلوا من إبني كرة قدم أو لعبة روليت الروسية.. بينما أنا أهرول لأبحث عن إبني وجه لي إبنها الأكبر تسديدة مُباشرة أسفل قدمي سرولني كأي بلطجي محترف ولم ينس أن يلقي علي التحية ثم وضع إحدى يديه في عيني على سبيل تأكيد التحية.. عندئذٍ أيقنت أن العصر الجورأوي لم ينتهي بعد..
حضر زوجي من خارج البيت وأحضر معه الأكل فهجموا عليه هجمة مباركة، فلم تمر خمس دقائق حتى صار الأكل في الغابرين..
شارفت الساعة على منتصف الليل، تحرك الغزاة إلى أماكن نومهم قلت لهم تصبحون على خير وأبديت لهم ندمي على الأوكسيجين الّذي استنشقوه في بيتي.. أما زوجي العزيز فقد أخد بطانيةً وذهب لينام فوق السطوح كذكر الحمام ياعيني عليه.. أما أنا فقد توسدت أرضية المطبخ حيث سيكون مكان نومي وحلمت ببيت غير البيت وأناس غير هؤلاء الناس.